الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الكُرد في سوريا أمام نظام لا يقبل "التعديل".. ومعارضة "تعدّل" على مزاجها

الكُرد في سوريا أمام نظام لا يقبل
عبد الوهاب أحمد

ذيّل وفد النظام مقدمة ورقته في الجولة السابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية بعبارة "غير قابل للتعديل"، في إشارة منه إلى الرموز التي يراها سيادية، مثل اسم الدولة، اللغة، العلم، النشيد، الشعار، وهوية الدولة، وكأنه أراد القول: لم نقبل  بتلك الاجتهادات التي صدرت من قوى محلية وجهات إقليمية - دولية حول إمكانية تغيّر سلوكنا وذهنيتنا في التعامل مع الأزمة بغية الوصول إلى حل سياسي شامل بالبلاد في السابق، ولن نقبل منكم أيضاً، وبذلك أثبت النظام مرة أخرى أنه "سلعة" غير قابلة للتجديد أو التعديل مهما تآكل الصدأ منه أو تفسّخ.

ويؤكد بعد سبع جولات «ترفيهية» في ربوع جنيف الوادعة أنّه الأكثر مصداقية وانسجاماً مع نفسه وطروحاته ومؤيديه وحلفائه، وليس الصراع الدولي، والخلاف الأمريكي - الروسي حول إدارة الملف السوري، إلى جانب الدور الأممي في تطبيق القرار 2254، ووظيفة وصلاحيات مبعوثه، السيد غير بيدرسون، واختزال دوره في تسيير وإدارة الجلسات فقط إلا شحنات وطاقة متجددة يستمد منها تعنته وهروبه من تنفيذ بنود القرار 2254 وفق تسلسلها الزمني الوارد في القرار، وما يزال يجد في أهم المحاور وأكثرها تعقيداً وحساسية وخلافاً -الرموز السيادية- وجبة دسمة في استمالة وإغراق الطرف الآخر "المعارضة" في تفاصيل قد تكون سابقة لأوانها بنظر العديد من المختصين والخبراء في كتابة الدساتير، والتي يمكن لبعضها مثل (العلم، النشيد الوطني، والشعار) أن ينظم بقانون يصدر من أول برلمان منتخب  كما ورد في دستور سوريا 1950، وكذلك دستور 1973.

في الجانب الآخر، لم تكن ورقة المعارضة التي قدمت في السياق ذاته تحت مسمى «أساسيات نظام الحكم» بأفضل حال من ورقة النظام، حيث تركزت على أن يكون نظام الحكم «جمهورياً يقوم على سيادة القانون، واحترام الكرامة الإنسانية وإرادة الشعب، والالتزام الكامل ببناء مجتمع حر وعادل ومتضامن، وأن السيادة للشعب يمارسها عبر وسائل الاقتراع المقرّرة في الدستور، وتُعبّر الأحزاب السياسية عن التعددية السياسية. لا نغفل الحقيقة القول إن ورقة المعارضة كانت باهتة، وبدت عمومية، لم تقترب في مضمونها من الاعتراض على ورقة وفد النظام أو مناقشتها حول اسم الدولة وهويتها واللغة الرسمية، ولم تكن تعبّر عن المخرجات والرؤية السياسية المنبثقة عن مؤتمر الرياض ٢ والتي تشكلت بموجبها هيئة التفاوض السورية، كما أنّها خلت من الإشارة إلى بنود الوثيقة المشتركة الموقعة بين المجلس الوطني الكردي وائتلاف قوى الثورة والمعارضة باعتباره الجسم الرئيس في قيادة المفاوضات واللجنة الدستورية، فلم تكن هذه الورقة سوى «قصاصة معدّلة» لن يجهد النظام نفسه كثيراً قبل التوافق عليها لطالما لا تمسّ رموز السيادة الوطنية إذا ما استثني منها  شكل العلم ذي النجمات الثلاث الذي تراه المعارضة رمزاً وأساساً لانطلاقة الثورة السورية.

من نافل القول أن كل طرف يدافع عن أولوياته من الزاوية التي يجد نفسه فيها، ويخدم مصالحه في ظل تعقيدات المشهد السياسي والتدخلات والتجاذبات التي حصلت في مسار الأزمة السورية، ومن الطبيعي أن لا يكون لدى النظام سوى قوالب جاهزة غير قابلة للتعديل، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق الشعوب الأخرى غير العربية في سوريا والاعتراف بها، ولا تبدو أطراف المعارضة العربية متمايزة كثيراً في رؤيتها لهوية سوريا المستقبل سوى في بعض الاختلافات والخلاف على موقع المفردات وزمانها دون أن تأخذ حيزاً من الاهتمام والدفاع عنها فيما لو تم المقايضة أو المفاضلة بينها وبين أي مدلولات أخرى، كالتي تؤكد على عروبة سوريا أو التقليل من صلاحيات الرئيس، أو الحصول على صلاحيات أوسع في السلطة التنفيذية مثلاً.

تميّزت الحركة السياسية الوطنية الكردية بتفرّدها في الدفاع عن جميع القضايا الوطنية التي تهم الشعب السوري ككل في إطار التأسيس لدولة مدنية ديمقراطية تعددية أساسها العدل والمساواة، واحترام الحريات، والاعتراف الدستوري بالحقوق القومية والسياسية والثقافية لجميع مكونات سوريا الحضارية منذ عقود من الزمن، وتعبيراً عن دورها في تمثيل الشعب الكردي وقضيته في المحافل الدولية، ومنها اللجنة الدستورية، فإن المسؤولية الملقاة على عاتقها، ممثلاً بالمجلس الوطني الكردي، تختلف عن مسؤوليات المعارضة وأولوياتها، فما تطالب به قوى المعارضة وعلى اختلاف منصّاتها قد تبدو هامشيّة إلى حد ما أمام الهدف الأسمى الذي وجد المجلس الوطني الكردي نفسه من أجله في صفوف هذه المعارضة.

وتشكل اجتماعات اللجنة الدستورية والأوراق المقدمة فيها من قبل المعارضة الساحة والمضمار الحقيقي لاختبار مدى التزام شركائه بالتفاهمات والوثائق السابقة التي وقعوا عليها مع المجلس في بداية الأزمة السورية، والتي تركزت معظم بنودها حول حل القضية الكردية والاعتراف بحقوق الشعب الكردي دستورياً، وإقامة دولة سورية تعددية برلمانية ديمقراطية لا مركزية، كما أن بيان الرياض ٢ الذي صدر عن  مجموع منصّات المعارضة باسم هيئة التفاوض السورية لم يخلُ من الإشارة إلى تعريف بالهوية السورية والاعتراف باللغة الكردية وتأمين حقوق الشعب الكردي القومية والثقافية في الدستور، وإيجاد حلّ وطني عادل لقضيته وفق العهود والمواثيق الدولية.

وعليه مهما تكن حدة الخلاف بين النظام والمعارضة حول قضايا تبدو رئيسة بالنسبة لهم، مثل العلم، النشيد، الشعار، تعريف الإرهاب، وتوزيع السلطات وفصلها... إلخ، فإن مهمّة المجلس الوطني الكردي وعبر ممثله، لا بد أن تتركز على الوظيفة والدور المنوط به في تقديم الورقة الكردية حول اسم الدولة وهويتها ولغاتها الرسمية، أو الاعتراض دون تردد على كل ورقة تقدمها المعارضة لا تستند إلى الوثيقة المشتركة الموقعة بين المجلس الوطني الكردي وائتلاف قوى الثورة والمعارضة وإلى بنود مؤتمر الرياض ٢.

وإذا كانت تشعبات الأزمة السورية ومرورها بالكثير من الإرهاصات والتجاذبات في الفترة السابقة، سبباً في عرقلة المراجعات النقدية والتقيمية لاتفاقيات المجلس مع قوى الثورة والمعارضة، فإنّ اجتماعات اللجنة الدستورية وما تم تناوله حتى اللحظة من أوراق، وخاصة من قبل المعارضة، فرصة لإعادة تقييم مستقبل التحالف معها، والتي تكمن في ضرورة التأكيد على بنود الاتفاقية المشتركة السابقة بين المجلس والائتلاف دون القبول بأي رؤى سياسية جديدة أو تعديل يهمش فيها ما ورد في هذه الاتفاقية، وباعتبار القضية الكردية هي قضية وطنية سورية، ويلزم حلها بطريقة ديمقراطية توافقية لا عددية، ولأن الطرفين، النظام والمعارضة، استهلا مناقشة الدستور بأساسيات نظام الحكم ورموز السيادة الوطنية، يعتبر اسم الدولة وهويتها ولغاتها الرسمية المفصل والحد في تحديد مستقبل استمرار المجلس في العملية السياسية بشكلها الحالي، وكذلك الجدوى من بقائه في صفوف المعارضة التي تنصّلت من التزاماتها وتعهداتها السابقة.

ولطالما كان اسم وهوية الدولة من مرتكزات العقلية العنصرية القوموية العروبية للاستمرار في طمس هوية الشعوب وثقافاتهم الحضارية المؤسسة للدولة السورية، فإن النضال من أجل تغيير هذه العقلية الإقصائية كان السبب الرئيس في مقارعة نظام البعث الشمولي الاستبدادي منذ ما يقارب النصف قرن، ولن يحيد تغيير شخص بشار الأسد أو الإتيان بنظام حكم لا يعترف بالتنوع العرقي والديني والثقافي في سوريا للشعب الكردي ومعه الشعوب السورية الحرّة، كالسريان والكلدو آشوريين، في النضال والدفاع عن حقوقهم بكافة السبل الديمقراطية على أرضهم التاريخية وفي المحافل الدولية.

وبحكم التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم بعد الصراع الروسي - الغربي حول أوكرانيا، وتبدّل محتمل في مواقف الكثير من الدول الفاعلة في الأزمة السورية، وخاصة أمريكا وروسيا وبعض الدول الغربية والإقليمية بخصوص دعمهم لمسار العملية السياسية في جنيف، أو تغيير في استراتيجياتهم على الأرض السورية، فإنه من الحكمة والعقلانية تبيان حقيقة الموقف السياسي الكردي من طبيعة النقاشات الجارية في اللجنة الدستورية والأوراق المقدمة من قبل طرفي التفاوض بتفاصيلها حتى الآن، وأن لا تخضع مواقف المجلس لاعتبارات واجتهادات شخصية جانبية تشوّش على رؤيته السياسية في الوقوف على حقيقة ما يجري في جنيف وسبل ضمان الحقوق القومية للشعب الكردي في أي دستور جديد لسوريا المستقبل.

ليفانت -

 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!